فصل: (سورة هود: الآيات 2- 4)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن في نظمه وإعجازه والمعاني الكثيرة منه في اللفظ القليل. وروى ابن جريج وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هو ملك يحفظه ويسدّده. وقيل: هو علي بن أبي طالب.
أخبرني عبد الله الأنصاري عن القاضي أبو الحسين النصيري، أبو بكر السبيعي، علي بن محمد الدهان والحسن بن إبراهيم الجصاص، قال الحسين بن حكيم، الحسين بن الحسن عن حنان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} علي خاصة رضي الله عنه.
وبه عن السبيعي عن علي بن إبراهيم بن محمد العلوي، عن الحسين بن الحكيم، عن إسماعيل بن صبيح، عن أبي الجارود، عن حبيب بن يسار، عن زاذان قال: سمعت عليًا يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو ثنيت لي وسادة فأُجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ وأنا أعرف به يساق إلى جنة أو يقاد إلى نار. فقام رجل فقال: ما آيتك يا أمير المؤمنين التي نزلت فيك؟ قال: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} رسول الله صلى الله عليه وسلم على بينة من ربه وأنا شاهد منه.
وبه عن السبيعي، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثني الحسن بن علي بن برقع وعمر بن حفص الفراء، حدثنا صباح القرامولي، عن محارب عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال علي رضي الله عنه: ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان، فقال له رجل: فأنت أي شيء نزل فيك؟ قال علي رضي الله عنه: أما تقرأ الآية التي في هود، {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}.
وفي الكلام محذوف تقديره: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن هو في الضلالة متردّد، ثم قال: {وَمِن قَبْلِهِ} يعني ومن قبل محمد والقرآن كان: {كِتَابُ موسى إِمَامًا وَرَحْمَةً أولئك} أي بني إسرائيل: {يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ} أي بمحمد وقيل بالقرآن، وقيل بالتوراة: {مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ}.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستمع لي يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بي إلاّ كان من أهل النار». قال أبو موسى فقلت في نفسي: إن النبي لا يقول مثل هذا القول إلاّ من الفرقان فوجدت الله يقول: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُه}.
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} أي في شكّ: {مِّنْهُ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} زعم أن لله ولدًا أو شريكًا أو كذب بآيات القرآن: {أولئك} يعني الكاذبين، {يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ} فيسألهم عن أعمالهم ويجزيهم بها.
{وَيَقُولُ الأشهاد} يعني الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا، في قول مجاهد والأعمش، وقال الضحاك: يعني الأنبياء والرسل، وقال قتادة: يعني الخلائق.
وروى صفوان بن محرز المازني قال: بينا نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر إذ عرض له رجل فقال: يا بن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدنو المؤمن من ربّه حتى يضع كتفيه عليه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف ما فعلت؟ يقول: رب أعرف مرّتين، حتى إذا بلغ ما شاء الله أن يبلغ فقال: وإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وقال ثمّ يعطى صحيفة حسناته، أو كتابه بيمينه قال: وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الأشهاد».
{هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض} قال ابن عباس: سابقين.
مقاتل بن حيان: قانتين، قتادة: [هرابًا]: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ} أنصار تُغني [عنهم]: {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} يعني يزيد في عذابهم.
{مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} اختلف في تأويله: قال قتادة [....]: {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} الهدى، وقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] قال ابن عباس: إن الله تعالى إنّما حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا، وأما في الدنيا فإنه قال: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} فإنه قال: فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم، وقال بعضهم: إنما عنى بذلك الأصنام.
{أولئك} وآلهتهم: {لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} ولا يسمعونه: {وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} [......] فلا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما يقول: لا يجزينك ما عملت وبما عملت.
{أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ لاَ جَرَمَ} أي [...]، قال الفرّاء: معناها لابدّ ولا محالة: {أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} يعني من غيرهم، وإنْ كان الكل في الخسار.
{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ} قال عطية عن ابن عباس وقتادة: أنابوا وتضرّعوا إليه، مجاهد: اطمأنّوا إلى ذكره، مقاتل: أخلصوا، الأخفش: تخشّعوا له، وقيل: تواضعوا له.
{أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مَثَلُ الفريقين} المؤمن والكافر: {كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} قال الفرّاء: وإنّما لم يقل هل يستوون مثلا، لأنّ الأعمى والأصم في خبر كأنهما واحد، لأنهما من وصف الكافر، والسميع والبصير في خبر كأنهما واحد، لأنهما من وصف المؤمن: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}. اهـ.

.قال الزمخشري في الآيات السابقة:

سورة هود عليه السلام مكية إلا الآيات 12 و17 و114 فمدنية وهي مائة وثلاث وعشرون آية نزلت بعد سورة يونس.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة هود: آية 1]

{الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
{أُحْكِمَتْ آياتُهُ} نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقض ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف.
ويجوز أن يكون نقلا بالهمزة، من حكم بضم الكاف، إذا صار حكيما: أي جعلت حكيمة، كقوله تعالى: {آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ} وقيل: منعت من الفساد، من قولهم: أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح. قال جرير:
أبَنِى حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ** إنِّى أخَافُ عَلَيْكُمُ أنْ أغْضَبَا

وعن قتادة: {أُحكمت} من الباطل {ثُمَّ فُصِّلَتْ} كما تفصل القلائد بالفرائد، من دلائل التوحيد، والأحكام، والمواعظ، والقصص. أو جعلت فصولا، سورة سورة، وآية آية. وفرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة. أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد: أي بين ولخص. وقرئ: {أحكمت آياته ثم فصلت}: أي أحكمتها أنا ثم فصلتها. وعن عكرمة والضحاك: ثم فصلت، أي فرّقت بين الحق والباطل. فإن قلت: ما معنى ثم؟ قلت: ليس معناها التراخي في الوقت، ولكن في الحال، كما تقول: هي محكمة أحسن الأحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل. وفلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل. وكتاب: خبر مبتدإ محذوف. وأحكمت: صفة له. وقوله: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} صفة ثانية. ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر، وأن يكون صلة لأحكمت وفصلت، أي: من عنده إحكامها وتفصيلها. وفيه طباق حسن، لأنَّ المعنى: أحكمها حكيم وفصلها: أي بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور.

.[سورة هود: الآيات 2- 4]

{أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعًا حَسَنًا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
{أَلَّا تَعْبُدُوا} مفعول له على معنى: لئلا تعبدوا. أو تكون أن مفسرة، لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول، كأنه قيل: قال لا تعبدوا إلا اللّه، أو أمركم أن لا تعبدوا إلا اللّه {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا} أي أمركم بالتوحيد والاستغفار. ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ منقطعًا عما قبله على لسان النبي صلى اللّه عليه وسلم، إغراء منه على اختصاص اللّه بالعبادة. ويدل عليه قوله: {إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} كأنه قال: ترك عبادة غير اللّه، إننى لكم منه نذير، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقابِ} والضمير في مِنْهُ للّه عز وجل، أي: إننى لكم نذير وبشير من جهته، كقوله: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} أو هي صلة لندير، أي: أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم.
فإن قلت: ما معنى ثم في قوله: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}؟ قلت: معناه استغفروا من الشرك، ثم ارجعوا إليه بالطاعة. أو استغفروا، والاستغفار توبة، ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها، كقوله: {ثُمَّ اسْتَقامُوا}. {يُمَتِّعْكُمْ} يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، من عيشة واسعة، ونعمة متتابعة {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى أن يتوفاكم، كقوله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً} {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه.
أو فضله في الثواب، والدرجات تتفاضل في الجنة على قدر تفاضل الطاعات {وَإِنْ تَوَلَّوْا} وإن تتولوا {عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} هو يوم القيامة، وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل. وبين عذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم إلى من هو قادر على كل شيء، فكان قادرًا على أشدّ ما أراد من عذابهم لا يعجزه. وقرئ: {وإن تولوا}، من ولى.

.[سورة هود: آية 5]

{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5)}
{يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يزورّون عن الحق وينحرفون عنه، لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} يعنى: ويريدون ليستخفوا من اللّه، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم. ونظير إضمار يريدون- لقود المعنى إلى إضماره- الإضمار في قوله تعالى: {اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} معناه فضرب فانفلق. ومعنى {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ} ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضًا، كراهة لاستماع كلام اللّه تعالى، كقول نوح عليه السلام {جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ} ثم قال: {يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} يعنى أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء، واللّه مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم، ونفاقهم غير نافق عنده. روى أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان يظهر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المحبة وله منطق حلو وحسن سياق للحديث، فكان يعجب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجالسته ومحادثته، وهو يضمر خلاف ما يظهر. وقيل: نزلت في المنافقين. وقرئ: تثنونى صدورهم، واثنونى افعوعل من الثني، كاحلولى من الحلاوة، وهو بناء مبالغة، قرئ بالتاء والياء. وعن ابن عباس لتثنونى. وقرئ تثنونّ وأصله تثنونن تفعوعل من الثن وهو ما هش وضعف من الكلأ، يريد: مطاوعة صدورهم للثنى، كما ينثني الهش من النبات. أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم. وقرئ: تثنئن، من اثنان أفعال منه، ثم همز كما قيل: ابيأضت، وأدهأمت وقرئ: تثنوى، بوزن ترعوى.

.[سورة هود: آية 6]

{وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6)}
فإن قلت: كيف قال: {عَلَى اللَّهِ رِزْقُها} بلفظ الوجوب وإنما هو تفضل؟ قلت: هو تفضل إلا أنه لما ضمن أن يتفضل به عليهم، رجع التفضل واجبًا كنذور العباد. والمستقرّ: مكانه من الأرض ومسكنه. والمستودع حيث كان مودعا قبل الاستقرار، من صلب، أو رحم، أو بيضة {كُلٌّ} كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرّها ومستودعها في اللوح، يعنى ذكرها مكتوب فيه مبين.

.[سورة هود: آية 7]

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
{وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} أي ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والأرض. وارتفاعه فوقها إلا الماء. وفيه دليل على أنّ العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض.
وقيل: وكان الماء على متن الريح، واللّه أعلم بذلك، وكيفما كان فاللّه ممسك كل ذلك بقدرته، وكلما ازدادت الأجرام كانت أحوج إليه وإلى إمساكه {لِيَبْلُوَكُمْ} متعلق بخلق، أي خلقهن لحكمة بالغة، وهي أن يجعلها مساكن لعباده، وينعم عليهم فيها بفنون النعم، ويكلفهم الطاعات واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه. ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: ليبلوكم. يريد: ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لأحوالكم كيف تعملون. فإن قلت: كيف جاز تعليق فعل البلوى؟ قلت: لما في الاختبار من معنى العلم، لأنه طريق إليه فهو ملابس له، كما تقول: انظر أيهم أحسن وجهًا واسمع أيهم أحسن صوتا، لأنّ النظر والاستماع من طريق العلم. فإن قلت: كيف قيل: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت إلى حسن وأحسن، فأمّا أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح؟ قلت: الذين هم أحسن عملا هم المتقون، وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو غرض اللّه من عباده، فخصهم بالذكر واطرح ذكر من وراءهم تشريفًا لهم وتنبيهًا على مكانهم منه، وليكون ذلك لطفًا للسامعين، وترغيبًا في حيازة فضلهم. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم «ليبلوكم أيكم أحسن عقلا، وأورع عن محارم اللّه وأسرع في طاعة اللّه» قرئ: ولئن قلت إنكم مبعوثون، بفتح الهمزة.
ووجهه أن يكون من قولهم: ائت السوق عنك تشترى لنا لحمًا، وأنك تشترى بمعنى علك، أي: ولئن قلت لهم لعلكم مبعوثون، بمعنى: توقعوا بعثكم وظنوه، ولا تبتوا القول بإنكاره، لقالوا: {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} باتين القول ببطلانه. ويجوز أن تضمن قلت معنى ذكرت ومعنى قولهم: {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أنّ السحر أمر باطل، وأن بطلانه كبطلان السحر تشبيهًا له به. أو أشاروا بهذا إلى القرآن لأنّ القرآن هو الناطق بالبعث، فإذا جعلوه سحرًا فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره. وقرئ: إن هذا إلا ساحر، يريدون الرسول، والساحر: كاذب مبطل.

.[سورة هود: آية 8]

{وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8)}
{الْعَذابَ} عذاب الآخرة. وقيل عذاب يوم بدر. وعن ابن عباس: قتل جبريل المستهزئين {إِلى أُمَّةٍ} إلى جماعة من الأوقات ما يَحْبِسُهُ ما يمنعه من النزول استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء. و{يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} منصوب بخبر ليس، ويستدل به من يستجيز تقديم خبر ليس على ليس، وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها، كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها، إذ المعمول تابع للعامل، فلا يقع إلا حيث يقع العامل {وَحاقَ بِهِمْ} وأحاط بهم {ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} العذاب الذي كانوا به يستعجلون. وإنما وضع يستهزئون موضع يستعجلون، لأنّ استعجالهم كان على جهة الاستهزاء. والمعنى: ويحيق بهم إلا أنه جاء على عادة اللّه في أخباره.

.[سورة هود: الآيات 9- 11]

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}
{الْإِنْسانَ} للجنس {رَحْمَةً} نعمة من صحة وأمن وجدة {ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ} ثم سلبنا تلك النعمة {إِنَّهُ لَيَؤُسٌ} شديد اليأس من أن تعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة. قاطع رجاءه من سعة فضل اللّه من غير صبر ولا تسليم لقضائه ولا استرجاع {كَفُورٌ} عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة اللّه نَسَّاءٌ له {ذَهَبَ السَّيِّئاتُ} عَنِّي أي المصائب التي ساءتني {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} أشر بطر {فَخُورٌ} على الناس بما أذاقه اللّه من نعمائه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر إِلَّا الَّذِينَ آمنوا، فإنّ عادتهم إن نالتهم رحمة أن يشكروا، وإن زالت عنهم نعمة أن يصبروا.